معلم الكنيسة يوحنا الذهبي الفم
الميلاد والنشأة والتعليم:
وُلِدَ يوحنا في أنطاكيا عام 349م، لأبوين يونانيين من سوريا، لم تتفق المصادر التاريخية ما إذا كانت الوالدة وثنية أم مسيحية، أما الأب فكان ذا رتبة عسكرية رفيعة، توفِّيَ بعد ميلاد يوحنا بفترة بسيطة فتحملت الوالدة مسئولية ترتبيته.
نال يوحنا سر المعمودية مابين عامي 368م إلى 373م، ورُسمَ فيما بعد قارئً. لكنه تلقّىَ تعليمه عن يد معلم وثني يُدعىَ "ليبانيوس"، الذي أورثه كثيراً من إتقان علم البلاغة، كما كان سبب حبه للغة اليونانية وللشعر والأدب. وعندما صار شاباً شُغِل بالإيمان المسيحي وبدأ دراسة اللاهوت عن يد "ديودور الطرسوسي" مؤسس مدرسة إعادة تشكيل أنطاكية، ووفقاً لما أورده المؤرخ المسيحي "سوزومين"، فإن معلمه "ليبانيوس" قال وهو على فراش الموت: ((إن يوحنا سيكون خليفتي في البلاغة والشعر والأدب، مالم تأخذه المسيحية منّا)).
إزداد تعلق يوحنا بشخص يسوع المسيح وانغمس في النُسك والزُهد الشديد وهو بعمر الخامسة والعشرين ليكون أكثر شفافية واستماع لصوت الله، فالتزم السهر في الصلاة وقراءة الكتاب المقدس إلى حد الحفظ، والنوم القليل، والصوم لفترات طويلة. ونتيجة لهذه الممارسات، إعتلت صحته وأصيبت معدته وكليتاه بعطب شديد، فاضطر للعودة إلى أنطاكيا.
الخدمة الشموسية في أنطاكيا:
رُسمَ يوحنا شماساً عام 381م، عن يد أسقف أنطاكيا "ميليتيوس الأنطاكي". الذي لم يكن في شركة مع كنيستي روما والإسكندرية. توفي "ميليتيوس الأنطاكي" بعد رسامة يوحنا الشموسية بقليل، فانفصل يوحنا عن باقي تلاميذ ميليتيوس، لكنه لم ينضم لتلاميذ خليفته على كرسي الإيبارشية "پولينيوس" وبعد وفاة الأخير تمت الرسامة الكهنوتية ليوحنا عن يد الأسقف الأنطاكي الجديد"إيڤاجريوس".
عُهِدَ إلى الأب يوحنا، بالمشاركة في جهود المصالحة بين بطريرك أنطاكية "فلاڤيانوس الأول" من جهة وبين كنيسة روما ومن ثم الإسكندرية من جهة أخرى، واستطاع تقريب القيادات وتمت صلاة قداس مشترك بينهم يُعلن عن الشركة بينهم، في سابقة لم تحدث منذ ما يقرب من سبعين عام، بسبب انشقاق حدث على عهد ميليتيوس الأنطاكي.
في أنطاكيا ما بين عامي (386م إلى 397م)، إكتسب يوحنا شعبية كبيرة بسبب قدرته على الوعظ ببلاغة، في الكنيسة الذهبية، كاتدرائية أنطاكيا، وخاصة شروحاته الكتابية وتطبيقها على التعليم الأخلاقي، كما كان يعظ عملياً بإهتمامه الشديد بحاجات الفقراء المادية والروحية، مع تركيزه الشديد على التعليم الإجتماعي ومناقشة ظواهر سوء استخدام الثروة والممتلكات الشخصية.
ونذكر هنا جزءاً من تعليمه الإجتماعي:
((هل ترغب في تكريم جسد المسيح؟ .. لا تتجاهله عندما يكون عارياً.
لا تعطيه الإجلال والإحترام في الكنيسة فيما ترتدي الحرير، وتتركه في الطرقات يعاني البرد بثيابٍ بالية.
من قال "هذا جسدي.." ، هو من قال "جُعت فلم تُطعموني" وقال "كل ما فعلتموه بإخوتي هؤلاء الأصاغر، فبي فعلتم".
ما الفائدة من تناول الأسرار المقدسة، على مذابح يزينها الذهب بينما أخيك يموت جوعاً ؟! فلتبدأ بسدّ جوع الفقير ثم بعد ذلك قُم بتزيين المذبح.))
فهمه المباشر للنصوص الكتابية – بعكس اسلوب التفسير الإستدلالي الذي كانت تميل له المدرسة الإسكندرانية – جعله دائم التطبيق والتنظير بين تعليم الإنجيل والحياة العملية، وكان شديد الإهتمام بالأوضاع الإجتماعية والتحنُّن على الفقير، فأكسبه هذا شعبية كبيرة ميزته عن سائر وُعّاظ عصره.
[التفسير الإستدلالي للكتاب المقدس هو أن يضع المفسِّر في الإعتبار تعدد مستويات المعنى، حيث تُراعىَ المجازية والمعنوية في تحليل النص، ولا تحاول أن تجعل من النص أمر مباشر بفعل الشئ حرفياً إلا في الحالات التي تنطبق عليها هذه الفكرة، بالتالي يرى أصحاب هذه المدرسة أن النص كانه عربة رومانية لها عجلتين تسير بأربعة خيول (الروحية، والأخلاقية، المعنوية والحرفية) ومن هنا تم تسميتها باسم العربة الرومانية "Quadrigaكوادريجا".
ويُذكر عن أثر عظاته واقعة شهيرة حدثت أثناء بداية خدمته بأنطاكيا، أنه بمجرد وصوله حدثت مشكلة كبيرة احتاجت أن يتدخل فيها "فلاڤيانوس" أسقف أنطاكيا، حيث كان عليه تهدئة الموقف بين الإمبراطور " ثيودوسيوس الأول" وبين جموع غاضبة من الأنطاكيين أقدمت على تحطيم تمثال للإمبراطور.
وإذ حلّ الصوم الكبير لعام 387م، أقدم يوحنا على إلقاء أكثر من 20 عظة على مدار أسابيع الصوم، تنصبّ على التعليم الأخلاقي والتوبة والعيش بالإنجيل، لدرجة أثرت في وثنيين كثيرين كانوا قد استمعوا له وقرروا اعتناق الإيمان المسيحي، مما أدىَ إلى هدوء ثورة الإمبراطور ثيودوروس الأول وتخفيف العقوبات عن مرتكبي حادث تحطيم التمثال، وكأن سلاماً إجتماعياً حلّ على الجميع بفعل عظات يوحنا، ومن وقتها صارت شهرته "يوحنا ذهبي الفم".
بطريرك القسطنطينية:
في خريف عام 397م، تم تجليس يوحنا الذهبي الفم بطريركاً على كرسي القسطنطينية، على أثر ترشيحاً من "يوتروپيوس" خصيّ الإمبراطور "ثيودوسيوس الأول" دون أن يعلم يوحنا شئً عن الأمر.
وبعد الإستقرار على تنصيبه بطريركاً للقسطنطينية، كان عليه أن يغادر أنطاكيا سرّاً بسبب المخاوف من أن رحيل مثل هذا الرمز الروحي ذو الشعبية الكبيرة والذي من شأنه أن يسبب اضطرابات بالمدنية.
خلال فترة بطريركيته، كان يرفض بشدّة حضور ملتقيات الطبقة الإجتماعية الثرية وذات النفوذ السياسي، والتي كانت تنفق ببذخ على الملذات والضيافات، حتى لا يفقد تواصله مع الفئة الشعبية البسيطة من الناس العاديين، فأصبح يملك ودّ الفئة المتواضعة من الشعب ولا يحاول حتى أن يخطب ودّ الطبقة العليا منه، وبعض الإكليروس أيضاً، فكان غير محبوب لديهم.
أما عدم ودّه مع الإكليروس (الكهنة تحديداً) فإنحصر في التشديد عليهم بعدم جني استفادة مادية تصل إلى حد تكوين ثروات من خدمتهم، مما جعله يأمر الكهنة المُنتدبين لكنائس أخرى بالعودة إلى رعاياهم الأصلية بعد انتهاء فترة إنتدابهم دون الحصول على أجر من الكنائس التي إنتُدِبوا إليها. إذ كان مستمراً في تطبيق التقشف على نفسه ومطالباً به جميع من كرسوا حياتهم للخدمة الكهنوتية.
كانت فترة بطريركيته في القسطنطينية أكثر اضطراباً من فترة خدمته في أنطاكيا، ليس فقط لأسباب إصلاحاته الداخلية ولكن لأسباب علاقاته مع الكنائس الأخرى: فقد كان بطريرك الإسكندرية في تلك الفترة " ثيوفيلوس" يرغب في إخضاع كرسي القسطنطينية إلى سُلطته الخاصة، وعندما تم ترشيح يوحنا الذهبي الفم، عارض هو ذلك بشدة لأنه سيصعب مهمته، لأن إخضاع كنيسة تقودها شخصية قوية التأثير والروح مثل يوحنا فم الذهب يعتبر مهمة مستحيلة.
كذلك كان تجليسه على غير رغبة "إليا إيودوكسيا" زوجة إمبراطور القسطنطينية "ثيودوسيوس الثاني" والتي كان لها دور يماثل دور الإكليروس من حيث كانت راعية للمؤمنين بقانون الإيمان النقيوي، كما كانت تقود مسيرات ليلية تنشد ترانيم بحقائق الإيمان المسيحي في مواجهة بدعة آريوس التي تنكر لاهوت المسيح، وكانت دائماً على رأس مُستقبلي زخائر الشهداء التي تُهدى لكنائس القسطنطينية إلا انها كانت تجني من ذلك الشهرة بالتقوى أمام الناس أكثر ما كانت تهدف إلى الشهادة للإيمان الصحيح، كما كانت ضمن الكارهين ليوحنا فم الذهب لكونه لا يحضر مُلتقيات الإمبراطور وحاشيته لما فيها من تعظم معيشة، كما كان ينتقد بصراحته المعهودة الجواهر والملابس الفاخرة التي كانت تتزين بها سيدات الطبقة الحاكمة، فكانت تعتبر هذه الإنتقادات موجهة لها شخصياً وتزداد كرهاً له. أما أول صِدام فعلي بين يوحنا فم الذهب وبينها هو إعدامها لخَصيّ الإمبراطور"يوتروپيوس" دون رحمة وبلا اتهام واضح لكن دافعها المستتر كان الإنتقام منه لتسببه في ترشيح يوحنا فم الذهب بطريركاً.
مجمع السنديان (403م) والإخوة الأربعة الطوال:
كان من المفترض أن يُقام مجمع عام 402م بناءً على رغبة الإمبراطور "ثيودوسيوس الثاني" يُدعى فيه البطريرك السكندري للإعتذار إلى البطريرك القسطنطيني، فرفض "ثيوفيلس" ذلك بشدة وأخذ يخطِّط للإطاحة بيوحنا الذهبي الفم.
الإخوة الأربعة الطوال هم أربعة رهبان مصريين "آمونيوس" و"ديسكورس" و"يوسابيوس" و"إثيميوس"، من المنطقة الديرية بوادي النطرون، عاشوا في القرن الخامس الميلادي، إشتهروا بعيش نذورهم الرهبانية بحزم وجميعهم على دراية كبيرة بالكتاب المقدس، وقد اُطلِق عليهم "الأربعة الطوال" نظراً لطول قامتهم العلمية في الكتاب المقدس، ويقال أيضاً أن التسمية تعبر عن رغبتهم في الشهرة والظهور.
كان للأربعة رهبان موقفاً مؤيداً لبعض تعاليم "أوريجانوس السكندري" التي كانت مسار جدل في كنيسة الإسكندرية، وهي تعاليم لطالما رفضها البطريرك السكندري "ثيوفيلوس"، لكنه حاول استخدام درايتهم بتعاليم أوريجانوس وخبرتهم في الكتاب المقدس بأن يدينوا ويحرجوا يوحنا الذهبي الفم في مجمع السنديان الذي تحدَّد انعقاده في عام 403م بالقسطنطينية بأمر من "ثيوفيلوس" لعزل يوحنا الذهبي الفم عن كرسي القسطنطينية، وبرعاية "إليا إيودوكسيا" زوجة الإمبراطور القسطنطيني.
سافر الأربعة رهبان إلى القسطنطينية واستقبلهم البطريرك يوحنا أحسن استقبال، وتناقش معهم بمحبة كما سمعوا الكثير عن قداسته ولمسوها في حوارهم معه، وقرروا رفض مواجهته وإحراجه في المجمع، فما كان من البطريرك السكندري "ثيوفيلوس" إلا ان ذهب على رأس قوة عسكرية لدى عودة الرهبان الأربعة لأديرتهم قبل انعقاد المجمع وأحرق قلاياتهم وقبض عليهم وأساء معاملتهم، لكنهم تمكنوا من الهرب ولجئوا إلى البطريرك يوحنا الذهبي الفم طالبين الإقامة لديه وعدم العودة إلى مصر. فإتهم "ثيوفيلوس" يوحنا فم الذهب بأنه يتبنى تعاليم أوريجانوس، بشكل خاص لتواصله مع أوريجانوس نفسه ولإحتضانه للرهبان الأربعة.
وكتب "ثيوفيلوس" إلى "أپيفانيوس" أسقف سلاميس (قبرص حالياً) طالباً إليه أن يذهب إلى القسطنطينية ويصير ضدّ يوحنا فم الذهب لمنع انتشار أفكار وتعاليم أوريجانوس. ذهب "أپيفانيوس" بالفعل لكنه عندما اكتشف أن البطريرك السكندري "ثيوفيلوس" يستخدمه لأهواء شخصية وليس من أجل الإيمان، غادر القسطنطينة عائداً إلى سلاميس لكنه توفيَّ في الطريق.
أخيراً وقبيل بدء فاعليات مجمع السنديان، ظهر البطريرك السكندري "ثيوفيلوس" ولكن ليس وحده كما كان مطلوباً منه بل برفقة 29 أسقفاً مساعداً، وبحسب المؤرخ "پلاّديوس" وكثير من الأموال وكل أنواع الهدايا الثمينة أيضاً. ورافقه في هذه الرحلة إبن أخيه "كيرلس" (البطريرك كيرلس السكندري فيما بعد). واتخذ "ثيوفيلوس" مقر إقامته بأحد القصور الإمبراطورية بالقسطنطينية، وهناك التقى بكل خصوم البطريرك يوحنا فم الذهب وكل أصحاب الذمم الرخيصة التي يمكن شرائها بالمال، ليكونوا أسلحته في حربه على يوحنا.
وبدأت تُكتب قوائم الإفتراءات في صورة إتهامات موجهة ليوحنا فم الذهب، وتم اختيار أعضاء المجمع من 42 من البطاركة والأساقفة معظمهم سوريون ومصريون يعادون يوحنا فم الذهب أو تم شرائهم وتجنيدهم حديثاً لمعاداته، مع قلة من الواقفين على الحياد.
كان المجمع ظاهرياً لا يزال يحمل رغبة الإمبراطور القسطنطيني في محاكمة "ثيوفيلس" وتقديم الإعتذار ليوحنا ذهبي الفم، لكن الأمر كان مُعدّ عملياً للعكس تماماً.
"سيڤريان" أسقف جبالا السورية، أشد خصوم يوحنا ذهبي الفم صار ممثل الإدعاء في هذا السينودس، فرفض يوحنا فم الذهب أن يكون الخصم هو الحكم في نفس الوقت، ورفض الإعتراف بمشروعية هذه المجمع لعدم حياده، فتم عزله بعد رفضه المثول أمام هذا المجمع الظالم للمرة الثالثة فكان القرار بعزله عن كرسي القسطنطينية ونفيه.
أحدث قرار عزله عن كرسي القسطنطينية غضباً شديداً لدى الشعب، وبدأت مسيرات غاضبة تجوب الشوارع، عندها تم تهديد يوحنا الذهبي الفم بأنه إن لم يمتثل للقرار سيتم قتل المُحتجين في الشوارع، فإضطر خوفاً على الناس أن يستسلم للجنود المُكلفين بتنفيذ عزله ونفيه من القسطنطينية في اليوم الثالث للإحتجاجات.
إلا أن ازدياد غضب الشعب واستمرار احتجاجه رغم امتثال يوحنا للقرار، إلى جانب حدوث زلزال عنيف يوم استسلامه، جعل زوجة الإمبراطور تخاف وتطلب إعادة يوحنا فم الذهب إلى القسطنطينية مرة أخرى، خوفاً من أن يكون هذا غضب الرب عليها.
فدخل يوحنا الذهبي الفم العاصمة وسط فرحة عارمة من الشعب، أما "ثيوفيلس السكندري" وحزبه قفد أنقذوا أنفسهم بالفرار من القسطنطينية.
لم يدم السلام طويلاً بين يوحنا وزوجة الإمبراطور، التي تقرَّر تدشين تمثال ضخم لها، مصنوع من الفضة بجوار الكاتدرائية البطريركية التي هي مقر يوحنا فم الذهب، فباغتها مرة أخرى بحديث مباشر ينتقدها فيه قائلاً: ((وعادت هيروديا تهزي مرةً أخرى .. ترقصُ مرة أخرى .. تشعر بالضيق من يوحنا المعمدان مرة أخرى، وتشتهي أن يؤتىَ إليها برأسه على طبق مرة أخرى)).
المنفىَ والموت:
تم الحكم بعزل يوحنا ونفيه مرة أخرى عام 404م إلى القوقاز في أبخازيا. بعد أن تكاتف كل خصومه من جديد، وهنا وصلت أخبار نفيه إلى الحبر الروماني "إنوسنتيوس الأول" (البابا القديس إنوسنتيوس الأول فيما بعد) الذي عارض هذا القرار بشدة، لكن دون جدوى، حيث أرسل "جودنتيوس" أسقف بريشا، وبصحبته إثنين من الأساقفة ليقوموا بجهود الوساطة لعودة يوحنا ذهبي الفم إلى كرسيه، إلا انهم فشلوا في مجرد محاولة دخول القسطنطينية!
توفيَّ يوحنا فم الذهب تحديداً في يوم 14 سبتمبر 407م بعمر الثامنة والخمسين، قبل أن يصل إلى وِجهة المنفى ورقد في الرب عند مدينة كومانا پونتيكا، وكانت آخر كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم التي قالها قبيل وفاته على الطريق إلى المنفى هي ((المجد لله على كل الأحوال!)).
نعاه أحد بطاركة القسطنطينية فيما بعد وهو البطريرك "پروكلس" (القديس پروكلس لاحقاً) قائلاً:
((لقد عشت حياة حزينة، لكن موتكَ كان مجيداً يا يوحنا، قبرك مُبارك، وجزائك عظيم لدى الرب، نعمة ربنا يسوع المسيح ورحمته تزينك، بعد أن اخترق حدود الزمان والمكان، وغزا الحب الفضاء، وذكراك الخالدة تتخطى الحدود، وبُعد المكان لن يحجب عنا معجزات قداستك)).
بعد جهود كبيرة تم استعادة زخائره المباركة لتوضع بإكرام تحت مذبح كنيسة الرسل الأطهار بالقسطنطينية عام 438م.
ترك القديس يوحنا الذهبي الفم لنا إرثاً ثميناً من العظات والتعليم الإجتماعي والليتورچيات، والمؤلفات الأدبية وكذلك الموسيقية المسيحية التي مازالت في ألحان الكنيسة البيزنطية حتى اليوم.
زخائره المقدسة موزعة بين روما والقسطنطينية.
هو شفيع القسطنطينية والوُعّاظ ودارسي الكتاب المقدس.
تعيد له الكنيسة الجامعة في 13 سبتمبر.
تعليق: ماذا نتعلم من القصة؟
سؤالي للسادة الارثوذكس: ماذا لو لم تحدث الزلزلة يوم خروج البابا يوحنا ذهبي الفم من القسطنطينية بعد مجمع السنديان منفياً مظلوماً! .. دليل براءة القديس يوحنا كانت معجزة سماوية .. بغيرها كنا اليوم نصنف هذا الرجل في خانة الهراطقة الاوريجوانين التي حاربهم البابا ثاؤفيلس بابا الاسكندرية!؟
ثانيا، اليست هذه القصة دليل قوي على فساد السياسة ووجوب فصل الدولة عن الدين .. فللعلم حتى بعد ظهور برائته لم يدم السلام طويلاً بين القديس يوحنا وزوجة الإمبراطور، التي تقرَّر كيداً تدشين تمثال ضخم لها، مصنوع من الفضة بجوار الكاتدرائية البطريركية التي هي مقر يوحنا فم الذهب، فباغتها مرة أخرى بحديث مباشر ينتقدها فيه قائلاً: ((وعادت هيروديا تهزي مرةً أخرى .. ترقصُ مرة أخرى .. تشعر بالضيق من يوحنا المعمدان مرة أخرى، وتشتهي أن يؤتىَ إليها برأسه على طبق مرة أخرى)) فنفته إلى القوقاز .. فاي سلطة تتحمل مثل هذا النقد المباشر؟
ثالثا، اخطء اوريجانس في "بعض" الموضوعات البسيطة (نعم بسيطة في وجهة نظري) .. اخطئ ولكن هل كانت هذه الاخطاء "البسيطة" تستدعى حرم الرجل من شركة الكنيسة؟ في راي المتواضع محاكمة اوريجانوس كانت هي بداية الانحراف بداية ظهور بدعة الانشقاق وبدعة الحقد والغيرة بين المؤمنين وبدعة التعصب الكنسي..
فاخطاء اوريجانوس كان يمكن تصحيحها له ببساطة وهو كان متقبلاً لهذا كما حدث في محاكمته.. لكن كان هدف محاكمية هو انهاء اسطورته حقداً!
نعرف انه اخطء، لكن يجب ان يكون هناك حد أدنى من التسامح والتأني والترفق والحرص والمناقشة والمراجعة .. فليس الحكم على احد بالكفر مدعاه لبطولة او مجد او زهو .. ولا تعالج الأمور بهكذا فخر.
---
هذه الاسئلة مطلوب الرد عليها
---
قي النهاية شهادة حياته وبركة شفاعته فلتكن معنا. آمين.
0 comments: