بحث عن العرب - الجزء الثاني

4/23/2021 07:33:00 م 0 Comments

 كنا قد وصلنا في الجزء السابق الى البداية! اي كيف بدء كيان عربي موحد تحت حاكم 1000 ق.م. لكن يجب هنا ان نوضح شئ مهم من أجل الامانة العلمية! هناك ثلاث عناصر لأي أمة غير مرتبطين بعضهما ببعض تقريباُ وهم: العرق (او القومية) واللسان والخط. وهذا المبدأ قد يشوش الكثير في بحثهم عن اصول الامم واللغات. فالخط اكثر هذه العناصر استعمالا في البحث حيث انه يمكننا ان نقتفي اثره بسهولة بالمقارنة مع باقي العناصر. فاللسان اثره في علوم اللغويات والاعراق والأمم مسجلة في احماضنا النووية. والخط هو المتاح اثرة في الكتابة والتدوين على الصخور والجدران والبرديات والورق.

الجزء الاول: https://orthozoxiya.blogspot.com/2021/04/blog-post_23.html

ولأوضح وجهة النظر هذه اعطي مثلا هنا من مصر: وهو لغات النوبة الغير مكتوبة. لن تجد لها اثرا على حجر أو صخر. فهل معنى هذا انهم غير موجدين؟ بالطبع لا. وفي بحثنا على اللغات نطبق نفس المبدء فوجود أثر يثبت وجود المبحوث عنة، ولكن غياب الاثر لا يثبت غياب الموضوع قيد البحث. وهكذا الاستدلال على تاريخ اللغة أو قومية معينة بأثر مكتوب قد يكون مضلل في الكثير من الاحيان. فقد تكون لغات النوبية الغير مكتوبة اقدم لغات البشرية او من اقدمها لا احد يعرف هذا.

وهو الحال للاعراق. فسفر التكوين وحدة يحكي قصة عشرات بل يمكن الاف من السنين فالانسان وجد وانتشر قبل اختراع الكتابة بزمن كبير جدا. فلا استدلال واضح من عنصر الى الاخر الا في حدود ضيقة: أذن العرق (القومية) واللسان والخط عناصر غير مرتبطة بعضها ببعض.

فيما يخص بحثنا نذكر ان الآرمية لغة دمشق (بلد نعمان الآرمي في الكتاب) كان يسبقها الأكدية في البلاد ما بين النهرين والهلال الخصيب. ويسبقها ايضا المصرية القديمة في بلاد وادي النيل. وكان اهل اليمن جنوبا لهم لغتهم السبائية ولها خطها المسند للكتابة الرسمية على الصخور والجدران ويرجع اقدم نقوشها الى 1000 ق.م. والسبائية لها خط اسمه الزبور وهو خطها المدور(مثل الفرق بين الخط الرقعة والنسخ في عربية اليوم) وان كان ملاحظ طبعا ان كل هذه اللغات من اصل واحد تتشابة في استخدام الجذر الثلاثي. ولا اعرف صحة نظرية الجذر الثلاثي بالنسبة للسان المصري القديم لكن حسب علم المصريات كان الجزر المصري ثنائي.

ونستكمل تكوين العرب كأمة جديدة تكونت حول طرق التجارة وليس حول مياة الانهار كما في الأمم التي سبقتها. ويشترك معهم الفينيقين فكانوا تجار لكن عرفوا ايضا الزراعة وارضيهم من اجود الاراضى الخصبة. وغياب هذه الخصوبة في ارضي العرب جعلتها امة تعتمد على التجارة وركوب الجمال والترحال. وكان لديهم ظريق البخور وهو الاقدم وطريق الحرير والطرق البحرية لاحقاً.

ونبدء بطريق البخور. فهو طريق نقل البضائع من اليمن جنوبا الى الممالك المجاورة واهم هذه البضائع هي البخور والمواد الصمغية الفواحة. فكانت تستعمل قبل اختراع الصرف الصحي في طرد الروائح الكريهة والتي اعتقد انها تجلب الارواح الشريرة من سوءها وكانت معابد وقصور مصر تأتي بهذا المنتج من ارض البنط جنوبا (الصومال والحبشة) وبابل تأتي به من اراضي اليمن. وكان لرائحة البخور الذكية الفضل في طرد روائح الذبائح في المعابد. ومنها تسمى طريق التجارة باسمة فكانت الجمال تفوح منها رائحة البخور اكثر من التوابل والأقمشة ومنها السر الصيني طبعا الحرير.

وكما ذكرنا كانوا قد عملوا في توريد المواد الخام للملك سليمان لبناء الهيكل. كان هذا هو الوضع حتى ظهرت مملكة بابل في غمضة عين فقد كان كل عمرها 70 عام لكن لها عظيم الاثر في المنطقة التي تسمى اليوم بشبة الجزيرة العربية كلها. فقام ملوكها بعمل عملية ترانسفير (ترحيل) للعرق الاشوري في جميع اراضي والممالك المجاورة لها لتوحيد اللغة وضمان الولاء والاستيطان. وبابل كانت دائما في صراع مع اشور وسياسة الترحيل هذه انتهجتها أشور أيضا من قبل بابل بمائتان سنة. اي من حوالى 750 ق.م وهي مسجلة في التوراة بأسم السبي الآشوري لأسرائيل وبعده السبي البابلي ليهوذا جنوبا. فطمس الاشوريين ومن بعدهم البابليين كل اختلاف لغوي في المنطقة. وتوحدت اللغات كلها في اللغة الآرمية في منطقة ما بين النهرين والهلال الخصيب شمالا بدء من القرن السادس تقريبا حتى ظهور الاسكندر الاكبر القادم من اليونان في معركة 333 ق.م. 

وخير مثال على هذا الترنسفير هم السامريون وقصة عداوتهم مع بني اسرائيل. فالسامريون ليسوا من بني إسرائيل وإنما قومٌ جاء بهم الآشوريون بعد السبي الآشوري عام 722 ق.م، وأن الإسرائليين أخرجوا من السامرة وملأها الآشوريون بقومٍ حملوهم من بلادهم مما يعني أن السامريين خليط عرقي  تهودوا بعد سكناهم لبلاد الشام، واستندوا في ذلك إلى ما ورد في سفر الملوك الثاني: «وَأَتَى مَلِكُ أَشُّورَ بِقَوْمٍ مِنْ بَابِلَ وَكُوثَ وَعَوَّا وَحَمَاةَ وَسَفَرْوَايِمَ، وَأَسْكَنَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ عِوَضًا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَامْتَلَكُوا السَّامِرَةَ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِهَا.»

تأثير هذا الترنسفير والاستيطان استمر حتى ان لسان المسيح كان آرامي وظل هكذا وضع في مناطق سوريا الكبرى وبلاد ما بين النهرين حتى في العهد الروماني بعد المسيح. فقط اليمن جنوبا هى من نجت من عملية التحويل هذه ومعاها الحصن المنيع مصر. لكن ظلت الآرمية المسيطرة على كل المنطقة التي تسمى بالعربية اليوم من سوريا ولبنان شمالاً حتى حدود اليمن جنوبا. ومن لسانهم الآرامي واليمني ظهرت اللهجات الجديدة وانقلبت اللهجات الى لغات كما سوف نشرح.

لكن نختم هذا الجزء بذكر الصراع الذي ظهر في النص التوراتي بين اللسان العبري (الكنعاني) واللسان الآرمي. لكن اوضح اولا ان لا توجد لغة بعينها اسمها العبرية فاليهود خروجوا من مصر الى ارض كنعان فان تكلموا المصرية تعلموا بعدها الكنعانية قي الارض الجديدة مع تغيير في اللهجة. والكنعانية هذه كانت لغة الفينيقيين التي اخترعوا لها الحرف الفينيقي الذي صدر الى اليونان منه للاتيني ولباقي الدنيا. وتعتبر اللغات العبرية والامزيغية اليوم هي اللهجات الكنعانية الوحيدة الباقية الى اليوم بل ان الامزيغ على ساحل افريقيا يختفظون بالخط واللغة الكنعانية لا اللغة فقط.

وفي النص: فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ». فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟» ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَ قَائِلًا: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. وفي أشعياء لنفس الحدث: فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ وَشَبْنَةُ وَيُوآخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ».

لكن بعد الرجوع من السبي قد تغير لسان الشعب الى الآرمية ومنهم من قد سبوا فقط ل 70عام فكانت اليهودية مازالت حية في نفوسهم يتضح هذا من النص في نحميا 8: وَقَرَأُوا فِي السِّفْرِ، فِي شَرِيعَةِ اللهِ، بِبَيَانٍ، وَفَسَّرُوا الْمَعْنَى، وَأَفْهَمُوهُمُ الْقِرَاءَةَ. وبعدها جاء كتب التلمود البابلي بالآرمية ثم يذكر الكتاب جشم العربي ملك قيدرا (بن اسماعيل النبي) كان من ضمن الملوك الذين وقفوا ضد اعادة بناء الهيكل قيقول النص وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ وَطُوبِيَّا وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ وَبَقِيَّةُ أَعْدَائِنَا أَنِّي قَدْ بَنَيْتُ السُّورَ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ ثُغْرَةٌ. وسنبلط ملك السامرة وأبنائه له اثر في برديات جزيرة أسوان ولقينو ابن الملك جشم ملك قيدار أثر يذكر انه ملك قيدار وجد في تل المسخوطة وهي منطقة أثرية في محافظة الإسماعيلية بالقرب من أبو صوير وهذا يدل ان مملكة قيدار كانت ممتدة حتى سيناء غرباً. ويذكر سفر مكابيين حصار أورشليم بخمسين الف مقاتل يوناني مستعانين بالعرب معرفوفين بالزَّبَدِيِّينَ. ويذكر التاريخ انه في عصر ان الحارث الثالث ملك الانباط (بعد مملكة قيدار) جاء مع خمسين الف مقاتل الى اليهودية وانتصر على ارسطوبولس وحاصر اورشليم وفى هذه الاثناء قدم الامبراطور الرومانى " بومبيوس" الى سوريا ليخضعها ولولا تدخل الله لكنوا ازالوها عن الوجود.

فالنتيجة هي ان لمدة 600 عام تقريبا اللغات الحية في المنطقة الآرمية شمالا والسبئية جنوبا. ثم جاء المقدوني باليونانية والثقافة الهيلينية التي تمكنت من فتح باب مصر الذي كان مغلق في وجه اللسان الآرمي.. بمعني ان الآرمي والسبائي واليوناني استمروا لغات المنطقة من قبل 300 ق.م حتى 300 بعد الميلاد.

ولا محالة ان اللغة العربية اليوم خليط من الآرمي والسبائي كما سوف نشرح. وهذا ما قد كرسة اليونانيين في خرائطهم بعد المقدوني 333 ق.م (معركة إسوس) بتسمية المنطقة كلها بالعربية كتعميم في منطقة لا تشغلهم كثيرا ولا تهمهم وقسموا هذة العربية الى عربية البتراء شمالاً (ومعناها الصخرة) ولسانها آرامي والعربية فيليكس أو السعيدة (لأنها أراضي خضراء) وسطا وجنوبا باللسان السبائي ولاحقا اضافوا العربية الصحروية في وسط المنطقة لتقتصر العربية السعيدة على الجنوب السبائي في اليمن. واخذوا هم على عاتقهم تحويل مصر وسوريا الى اليونانية الهيلينية. اذا من هذة الدراسة نصل للنتائج ان اللسان الاصلي للعرب هو الآرامي، وحاليا يطلق علية السرياني االشرقي. ولساننا اليوم هو خليط منها ومن السبائية الجنوبية تكون بعد ميلاد المسيح بالطبع.

0 comments: