فتن المجامع ووحدة الكنائس المختلفة

7/06/2015 09:45:00 م 0 Comments

تاريخ وتاريخ فقط!


مجمع خلقيدونية : انعقد سنة 451م يُعتبر من أهمّ المجامع، إذ نجم عن هذا المجمع انشقاقٌ أدّى إلى ابتعاد الكنائس الشرقيّة (القبطيّة والأرمنيّة والسريانيّة) عن الشراكة مع الكنيستين الرومانيّة والبيزنطيّة الذين يرون أن مجمع خلقيدونية المجمع المسكوني الرابع.




حيث أن الكنائس الشرقيّة رفضت اصطلاح "طبيعتين" الذي كان يوازي عندهم لفظة (شخصين). وكانوا يفضلون عليه تعابير أخرى وردت عند البابا كيرلّس السكندري مثل عبارة "طبيعة واحدة" في قولته الشهيرة: "طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد"..

الخلقيدونيين يقولون إنه إن كان مجمع خلقيدونية سنة 451م قد سبب شقاقًا في الكنيسة، فإنهم يرون أن ما حدث كان رد فعل لمجمع أفسس الثاني عام 449م، الذي دعاه البابا لاون أسقف روما بالمجمع اللصوصي، ويتهم المؤرخون واللاهوتيون المعلم ديوسقورس رئيس هذا المجمع بممارسة العنف!!

أستعرت هذه المقدمة من الويكيبيديا لتوصيف حال لاهوتين المجمع المقدس أثناء جدالهم لتأصيل العقيدة المسيحية وضبط القواعد الحاكمه لها وكيف وصل الخلاف الى حد اتهام رأس كنيسة الاسكندرية (البابا ديوسقورس) بالعنف والتزوير وحرمه من منصبه ونفيه بعدها!!

فماذا حدث هناك وماهي الحقيقة ؟!

هذا الخلاف الذي يلقب بالفتنه الكبرى فى تاريخ الكنيسة و يبدء تحديدا ًمن مجمع أفسس الاول الذى حسم هرطقة البابا نسطور أسقف القسطنطينية* بحرمها لمخالفتها صحيح العقيدة المسيحية وعزل نسطور من منصبه كرأس للكنيسة البيزنطيّة (أكبر الكنائس وقتها) وكان يترأس هذا المجمع البابا كيرلس الكبير بابا الاسكندرية، لكن.. !؟

لكن حدث من البابا كيرلس الكبير فى أجازة بدعة اوطاخى بعدم إدانتها في مجمع افسس الاول وهو -اي اوطاخي- كان من الحضور والمتكلمين في هذا المجمع! اوطاخى الذى كان يعادى بدعة نسطور بشده لكنه تطرف فى هذه المعاداه مما أستدعى البابا فلابيانوس أسقف القسطنطينية الجديد لعقد مجمع مكانى سنة 448م -بعد مجمع أفسس الأول سنة 431م بـ 17 عام - والحكم على اوطاخى بحرمه وقطعه من شركة الكنيسة.

* القسطنطينية او كنيسة آيا صوفيا: كانت فى هذا الوقت واحده من أقوى مدارس اللاهوت وكانت تنافس مدرسة روما ومدرسة الاسكندرية وتعرف اليوم بجامع الفاتح فى إسطنبول - تركيا وترث تركتها كل من الكنيسة البيزنطية الارثوذكسية فى اليونان وروسيا (خلقودنية) وأرمينا (لا خلقودنية).

بعدها التماس أوطاخي المبتدع مستأنفاً الحكم الصادر ضده بقطعه من المجمع المكاني الذى عقده فلابيانوس سنة 448م. وكان له  هذا فى مجمع أخر هو مجمع  أفسس الثاني سنة 449م الذى رأسه البابا ديوسقوروس و قرر هذا المجمع الآتي:
  • أولاً، براءة أوطاخي بعد أن رجع عن آرائه واعترف بقرارات المجامع السابقة.
  • ثانياً، حرم فلابيانوس أسقف القسطنطينية! بل وعزلة بعد استخدام العنف معة فى المجمع حسب المصادر الخلقيدونية (الارثوذكسية الشرقية والكاثولكية) مما أدي الي وفاتة في طريقة لمنفاه بعد ثلاث ايام متأثراً بجروحة.

المصدر: http://www.newadvent.org/cathen/06098c.htm

ملحوظـة: لا تعترف بهذا المجمع كلا من الكنيسة اليونانية وكنيسة روما ويُطلق علية المجمع اللصوصي من قبل الكنائس الخلقيدونية.

وفي موت فلابيلنوس كان الأنشقاق!!

بعدها تم رفض قرارات مجمع أفسس الثاني من قبل بابا روما (الذي حزن لموت فلابيانوس أسقف القسطنطينية حزناً عظيماً) ومعة اعداد كبيرة من الاساقفة ودعى الإمبراطور مرقيان والإمبراطورة بولخيريا لانعقاد مجمع أخر للفصل فى النزاع. 

وبناءاً على طلب أسقف روما تم عقد مجمع خلقيدونية في مدينة خلقيدونية سنة 451 وحضره 330 أسقفاً (في رواية) و600 أسقف في رواية أخرى. ويعتبر مجمع خلقدونية أكبر المُجمعات، واتخذ قرارت هامة بخصوص مجمع أفسس الثانى وذهب إلى ان أوطاخي قد "دلّس به وخدع آباء مجمع أفسس الثانى الذين أقرّوا بأرثوذكسيته، وهذه الكنائس هي التي رفضت لاحقاً مجمع خلقيدونية. وإن كان آباؤها لاحقاً أعترفوا بهرطقة أوطاخي وضلالة، أما الكنائس التي اعترفت بخلقيدونية فتطلق على مجمع إفسس الثاني المجمع اللصوصي وترفض نتائجه.





فاعلن لاون (أسقف روما) طومسه قبل المجمع، وقام الإمبراطور مرقيون والإمبراطورة بوليخاريا بجمع التوقيعات عليه منذ عام 450 م - بغرض إعداد ورقة أساسية ضد اللاهوتيين الإسكندريين وإتهامهم بأن الأقباط اعتنقا البدعة الأوطاخية الذي سقط في الهرطقة أثناء مقاومته للنساطرة (ظن أوطاخى أن لاهوت المسيح (كلمة الرب الإله) أبتلع ناسوته أوجسده، أو أن جسده ذاب في لاهوته)، وحاول لاون أسقف روما تشوية صورة الكنيسة المصرية بنسب الأوطاخية لآبائها. ويرى بعض المؤرخين ان مجمع خلقيدونية لعب دوراً هاماً في التأثير على الكنيسة أو أن رؤساء بعض الكنائس وجهت السياسة لصالحها.

_____________ تفصيل التفاصيل!

ولكى نفهم سبب الخلاف فى مجمع خلقيدونية علينا ان ندرس تاريخ تطور هذا الخلاف من مجمع أفسس الاول 431 م الذى كان سبب انعقاده ظهور هرطقة نسطور أسقف القسطنطينية، حيث أنكر نسطور ألوهية المسيح وقاومه بالحجة أوطاخى (راهب من القسطنطينية) والذى بدوره تطرف فى الرأى -كما سوف نوضح- الى حد الهرطقة! ورأس هذا المجمع البابا السكندري كيرلس الكبير والمعروف بعامود الدين كما تلقبه كنيسة الأسكندرية و بلغ عدد الحاضرين من الأساقفة 200 أسقف عدا الكهنة والشمامسة. وهنا!!

وهنا، لنا وقفه مع شخصيات هذا المجمع: كل على حدة

أولا، البابا كيرلس الكبير، كان البابا كيرلس الكبير على رأس علماء اللاهوت فى ذلك الزمان ولكن تاريخه يواجه الكثير من اتهامات التطرف والعنف. فطريقة تعامله مع حاكم الأسكندرية الرومانى انذاك أورستس وتعامله العنيف مع الشعب الاسكندرية الوثنى و طرد يهودها (بعد أعتدائهم المتكرر على مسيحى الأسكندرية) .. الخ. كل هذا تاريخيا يحمل لنا بعض من صفات وسمات شخصية هذا الرجل الحاده! ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر:

كان البابا كيرلس البابا 24 ابن أخت البابا ثيوفيلس البابا ال23 للأسكندرية. ولا أقصد هنا شبهة التوريث لكن ألقى الضوء على طريقة تعليم البابا كيرلس على يد خاله البابا ثيوفيلس والذى يواجه بدوره تهم تريخيه بالتطرف والعنف كما سوف نوضح لاحقاً. وأن كانت تدعى كنيسة الأسكندرية تلقى البابا كيرلس علمه على يد أثناسيوس الرسولي البابا العشرين ومقاوم البدعة الأريوسية والملقب ببطل كنيسة المسيح  ولكنى أعتقد -فيما أعتقد- أن للبابا ثيوفيلس الأثر الأكبر فى حياته بحكم القرابه.

يُتهم البابا كيرلس بمحاولة ترهيب وتركيع بل وتحريض أتباعه على قتل حاكم الأسكندرية الرومانى أورستس -الذى كان يعتنق الدين المسيحى- للضغط عليه بهدف أرغامه على التخلى عن دعمه المستمر للفيلسوفه الوثنية هيباتية والذى كان اورستس احد تلاميذها. كما يُتهم البابا كيرلس أيضا، بالتحريض على قتل هذه الفيلسوفه فتم سحلها فى شوارع الأسكندرية سنة 415م. وأيضا فى عهد البابا كيرلس أتُضطهد الوثانين وبعدها اليهود فطردوا من مدينتهم فى محاولة قيادات الكنيسة المستميته للسيطره على الأسكندرية.

يُتهم البابا ثيوفيلس (خال البابا كيرلس الكبير) بتحريض الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول (والملقب بثيودوسيوس الكبير) على هدم معبد السرابيوم والمكتبة الملحقة به وهو كان مفخرة العالم القديم واشاد به المؤرخين القدماء فيصفة اميانوس ماركلينوس بقولة " يوجد بالأسكندرية عدد كبير من المعابد الجميلة والضخمة ولكن السرابيوم كان اضخمها واجملها، وكان المعبد مزين باروقة ضخمة ذات أعمدة وتماثيل تكاد ان تكون حية ويزخر بالعديد من المنشات الاخري والاعمال الزخرفية حتي انه كان يأتي في المرتبة الثانية بعد الكابيتول الذي يرمز لمدينة روما الخالدة ويعتبر اعجوبة من عجائب العالم.

وقد أصدر أيضا ثيودوسيوس الأول في العام 391 م أوامره باحراق مكتبة الإسكندرية (احد أسباب تدمير المكتبه وليس هو السبب الوحيد) لما اعتقده انها تحوي أفكار وفلسفات ومؤلفات وثنية تخالف العقيدة المسيحية التي تبناها كدين رسمي ووحيد في الإمبراطورية الرومانية، كما أمر العام 390 م. بنقل مسلة تحوتمس الثالث التي كانت منتصبة بجوار معبد الكرنك في طيبة الي القسطنطينية ومن خلال تقسيمها الي ثلاث قطع واعادة تركيبها مجددا ولا تزال موجودة بأسطانبول بتركيا حتي الآن. كما أصدر العام 393 ميلادية قرارا ديكتاتوريا ثوريا قضى بإلغاء الألعاب الأولمبية باعتبارها مهرجانات وثنية لا تليق بالإمبراطورية الرومانية التي قد نبذت الوثنية واعتنقت المسيحية.

ثانياً، البابا نسطور بطريرك القسطنطينية غريم البابا كيرلس

وقد كان أنكر نسطور ألوهية يسوع المسيح وبدأ بإنكار كون السيدة العذراء والدة الإله قائلاً: إن مريم لم تلد إلهاً بل ما يولد من الجسد ليس إلا جسداً وما يولد من الروح فهو روح. فالعذراء ولدت إنساناً عبارة عن آلة للاهوت. وذهب إلى أن ربنا يسوع المسيح لم يكن إلهاً في حد ذاته بل هو إنسان مملوء بالبركة أو هو مُلهم من الله لم يرتكب خطية.

وهذا مضاد لما تعتقد به المسيحية التي تؤمن بأن للمسيح طبيعة واحدة بعد الاتحاد بدون اختلاط ولا امتزاج ولا استحالة كما نقول في الاعتراف الأخير في القداس: "الجسد الذي أخذه من سيدتنا ملكتنا كلنا والدة الإله القديسة مريم. جعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.

كما فضل نسطور استعمال عبارة كريستوطوقس (والدة المسيح) بدلا عن ثيوطوقس (والدة الله) في وصف مريم العذراء. نشبت على أثره خلاف عقائدي بينه وبين كيرلس بطريرك الإسكندرية أدى في نهاية الأمر إلى حرمانه ومنع تعاليم مدرسة الرها المقربة منه. غير أن نسطور نفى في كتابه بازار هيراقليدس الذي كتبه في منفاه بمصر أن يكون قد دعا إلى فصل الطبيعتين. كما يرى معظم لاهوتيي القرن العشرين أن نسطور نفسه لم يكن نسطوريا بحسب التعريف التقليدي لها.

تعريف بالبابا نسطور من الكنيسة المشرقية بالعراق والتى مازالت تعتنق النسطورية حتى يومنا هذا :
 
http://goo.gl/cNDW0

ثالثا ً، أوطاخي ، كان أوطاخي رئيس دير في القسطنطينية ولعداوته الشديدة لتعاليم نسطور بدأ يرد عليه ولكنه تطرف في تعبيره عن سر الجسد حتى قال أن جسد  المسيح مع كونه جسد إلا أنه ليس مساوياً لجسدنا في الجوهر لأن الطبيعة الإلهية لاشت الطبيعة البشرية (مثلما تذوب نقطة الخل في المحيط) وهذا معناه أن اللاهوت اختلط وامتزج  بالناسوت. أى أن الطبيعتين قد امتزجتا معاً فى طبيعة واحدة.
 .
وهذا ما يضاد الإيمان القويم وهو أن اللاهوت اتحد بالناسوت ولكن  بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير .. لكن أوطاخي عاد واعترف بالإيمان  الأرثوذكسي وبقرارات المجامع السابقة.

مجمع أفسس الثاني لسنة 449م 

 إذ اقتنع الامبراطور الروماني ثيؤدوسيوس الثاني بعقد مجمع وطلب من ديسقورس أن يمارس سلطته في المجمع كرئيس، وطلب من يوبيناليوس أسقف أورشليم وتلاسيوس أسقف قيصرية كبادوكية أن يكونا رئيسين شريكين معه.

إعاد مجمع أفسس الثاني الاعتبار لأوطيخى بعد ان حرمه من شركة الكنيسة البابا فلابيانوس أسقف القسطنطينية فى المجمع المكانى سنة 448م! فعقد مجمع أفسس الثاني الجلسة الأولى له في 8 أغسطس عام 449م، وحضره 150 أسقف برئاسة البابا ديسقوروس وبحضور الأسقف يوليوس ممثل بابا روما، وجيوفينال أسقف أورشليم، ودمنوس أسقف أنطاكيا وفلابيانوس بطريرك القسطنطينية.

وبعد استعراض وقائع مجمع أفسس الأول 431م، ومجمع القسطنطينية المكانى 448م، وقراءة اعتراف مكتوب لأوطيخا بالإيمان الأرثوذكسى قدّمه إلى المجمع
مخادعاً. وبعد الاستماع إلى آراء الحاضرين؛ حكم المجمع بإدانة وعزل ونفي فلابيانوس بطريرك القسطنطينية ويوسابيوس أسقف دوروليم وبتبرئة أوطيخا وإعادته إلى رتبته الكهنوتية. كما حكم المجمع بحرم وعزل كل من هيباس أسقف الرها وثيئودوريت أسقف قورش وآخرين.

لجأ فلابيانوس -المعزول- إلى لاون أسقف روما قبل موته مؤكدا له أنه استند على خطابه المشهور بطوموس لاون فبعث لاون بخطاب فلابيانوس إلى الإمبراطور لإعادة النظر في الحكم طالبا عقد مجمع أخر في إيطاليا، وقد كتب إمبراطور الغرب رسالة مماثلة بناء على طلب لاون ورد عليهم الإمبراطور ثيئودوسيوس بـأن من الأفضل عدم التدخل في الأمر وطلب الإمبراطور من شعب القسطنطينية انتخاب أسقف أخر بدلًا من فلابيانوس فاختاروا ناطوليوس وكان شماسًا إسكندرانيًا مما زاد سوء العلاقة بين البابا ديسقورس ولاون حيث أن البابا ديسقورس ترأس رسامة اناطوليوس.

مجمع افسس الثاني من مصادر شرقية:

مجمع خلقيدونية: أدان مجمع خلقيدونية سـنة 451م أوطيخى. والبحث الدقيق يبرهن أن البابا ديسقوروس لم يكن أوطاخياً، ولهذا لم يحكم عليه مجمع خلقيدونية لأسباب عقائدية، كما ذكر أناطوليوس بطريرك القسطنطينية سكندري الأصل! رئيس المجمع في جلسة 22 أكتوبر عام 451م.

لم يقبل بابا روما لاون الأول نتائج مجمع أفسس الثاني 449م ومنح الحل الكنسى لثيئودوريت أسقف قورش وأعاده إلى الشركة. وحدث أن الإمبراطور ثيئودوسيوس قد سقط من على ظهر جواده، مما أدى إلى وفاته في 28 يوليو عام 450م وتولت أخته بولكاريا السلطة وتزوجت من القائد مركيان، وأعلنت مركيان إمبراطوراً في 28 أغسطس من نفس العام. وفى 15 مايو عام 451م صدر المرسوم الإمبراطورى بعقد مجمع عام في نيقية. وبحلول أول سبتمبر وصل الأساقفة إلى نيقية ولكنهم أمروا أن يتجهوا إلى خلقيدونية القريبة من القسطنطينية. فاجتمع حوالي 500 أسقف في كنيسة القديسة أوفيمية، وعقدت الجلسة الأولى للمجمع في 8 أكتوبر عام 451م.

في تلك الجلسة نُوقش بابا الأقباط ديسقوروس بشأن عقيدة أوطاخى الذي برأه في مجمع أفسس الثاني والذى كان يرأسه عام 449م ؛ فقال "إذا كان أوطاخى يتمسك بمفاهيم ترفضها عقائد الكنيسة، فهو يستحق ليس العقاب فقط بل حتى النار (أى جهنم) أيضاً. ولكن اهتمامى إنما هو بالإيمان الجامع الرسولى وليس بأى إنسان أياً كان".

وقال أيضاً في نفس الجلسة من المجمع الخلقيدونى: "أنا أقبل عبارة من طبيعتين بعد الاتحاد، وهو في تأكيده على الطبيعة الواحدة المتجسدة لله الكلمة أراد أن يثبت عدم التقسيم بين الطبيعتين من بعد الاتحاد، وفى قبوله لعبارة "من طبيعتين بعد الاتحاد" أراد أن يؤكّد ما أكّده القديس كيرلس الكبير عن استمرار وجود الطبيعتين في الاتحاد وعدم امتزاجهما أو اختلاطهما.

وكما ذكرنا أن أناطوليوس أسقف القسطنطينية الجديد قد أعلن في الجلسة الخامسة للمجمع أن "ديسقوروس لم يتم عزله بسبب عقيدته، إنما بسبب أنه قد حرم لاون". لكن الجدير بالذكر ان أسباب مجمع خلقيدونية المعلنة لعزل بابا الأقباط ديوسقورس أسباب غير عقائدية او لاهوتية بل أسباب إدارية تتعلق بموقفه في مجمع أفسس الثاني حيث اعاد اوطاخي للشركة وأساء لفلافيان (فلابيانوس)

بعد وفاة البابا ديسقوروس انتخب في 16 مارس 457م في الإسكندرية البابا تيموثاوس الثانى (الشهير بأوريلُّوس) خليفة وتمكن في عهد الإمبراطور "باسيليسكوس" من عقد مجمع عام (أول مجمع مكاني بعد الأنشقاق) آخر في أفسس سنة 475م (يلقبه البعض مجمع أفسس الثالث) حضره 500 أسقف. هذا المجمع حرم تعاليم أوطيخى وتعاليم نسطور ورفض مجمع خلقيدونية. وقد وقّع على قرار هذا المجمع 700 أسقف شرقى.

نتائج مجمع خلقيدونية.
  • انفصال تدريجي لكنائس مصر والحبشة وسوريا وأرمينيا انقسمت الكنيسة إلى شطرين:
1- الكنائس الغير خلقيدونية: وتضم الكنيسة القبطية (ومعها الحبشية)، وكنيسة أنطاكية ،وكنيسة أورشليم، وكنائس آسيا الصغرى -عدا القسطنطينية- التي –كنائس آسيا الصغرى- ظلت متمسكة بقرارات المجامع الأولى ومعتقدات أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس في طبيعة واحدة للمسيح أي اتحاد اللاهوت بالناسوت بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. (وحالياً الكنائس الشقيقة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي الكنيسة الحبشية والإريترية والسريانية والهندية والأرمنية).

2- الكنائس الخلقيدونية: تضم كنيسة رومية، وكنيسة القسطنطينية - اللتين اعتنقتا المعتقَد القائل بأن للمسيح طبيعتين.

  • نُفي بابا الأقباط ديوسقورس فجعل اقامته جبرية في كنغريس افلاغونية وبعدها انتفض الأقباط لعزل باباهم ديسقورس وفرض مذهب الطبيعتين بالقوة. وحصل هياج واضطهادات من السلطات البيزنطية وحاول البيزنطيين فرض بطاركة ملكانيين (خلقودنيين) على كرسي الإسكندرية ومنهم "برتارس" البطريرك الملكاني، لكن بعد موت الإمبراطور البيزنطي مارقيانوس هجم المصريون على البطريرك "برتارس" الخلقدوني في صحن الكنيسة وقتلوه، وتولى تيموثاوس الثانى (تيماناوس) البطريركية وكان أول يعقوبي* يتولاها، ثم ظل هذا المذهب الوطني للمصريين تحت قيادة بطاركه مصريين مثل البابا تيموثاوس الثانى (نُفى) والبابا ثيؤدوسيوس الاول (عُزل) .. الخ .وأستمر هذا الصراع الدموى حتى الغزو العربى لمصر وأنهاء سيطرة الدولة البزنطية على البلاد.
*اليعاقبه أو يعقوبيه : تسمية أطلقها الخلقيدونيين فى مجمعهم السابع فى القرن الثامن الميلادي كمحاولةٍ للتقليل من اللاخلقيدونيين وتجاهل تاريخهم واعتبار أنهم على مذهب يعقوب البرادعى المطران السرياني المدافع عن اللاخلقيدونية ويُعتقد أن الخلقدونيين سموا الكنيسة القبطية باليعقوبية كي ينتقموا من تسمية المصريين لهم بالملكانيه في أشارة للدعم الملكي لهم.

________________ محاولات رأب الصدع

سوء التفاهم بين مدرسة الأسكندرية و مدرسة الانطاكية جاء من  أستخدام لفظة "شخص" وبحسب المدرسة الانطاكية كانت تعني "الطبيعة", والمبدأ السائد في الفلسفة الانطاكية في الكنيسة الكبرى في انطاكيا كان ان "كل طبيعة كاملة هي شخص". اعتبر نسطوريوس وأتباعه ان قولة كيرلس ان "الإله أتحد في يسوع اتحادا شخصيا" تعني انهما أصبحا "طبيعة واحدة". فاتّهموا كيرلس بالسقوط في بدعة أبوليناريوس كما رفض نسطوريوس تطبيق خصائص الطبيعتين على شخص واحد لانه يؤدي إلى القول بأن المسيح تألم ومات في الطبيعة الإلهية.

وحقيقة وأصل الخلاف هى أنه رافقت مجمع افسس الأول أحداث معقدة, وذلك ان الوفد الانطاكي المؤلف من 33 أسقفا والذي يرأسه يوحنا بطريرك انطاكية كان قد تأخر بضعة ايام عن موعد افتتاح المجمع, وكان المجمع قد أصدر حكمه بإدانة نسطوريوس. بادر الانطاكيون – فور وصولهم – إلى عقد مجمع خاص بهم مع بعض الاساقفة الآخرين وكان عددهم 150 اسقفا من كافة أنحاء سوريا واسيا الصغرى، فحكموا على كيرلس لكونه تصرف خلافا للشرع الكنسي، ورؤوا في أقواله ما رآه نسطوريوس سقوطا في ضلال أبوليناريوس.

بيد أن موفدي رومية, الذين قَدِموا بعد الوفد الانطاكي أيضا بايام، كان موقفهم مختلفا، وذلك انهم وافقوا على ما جاء في وقائع الجلسة الأولى، وثبّتوا الحكم على نسطوريوس، ومن ثم حَرَمَ المجمع يوحنا بطريرك انطاكية. إزاء هذا البلبال أُقفل المجمع. وأمر الامبراطور بتوقف كيرلس ونسطوريوس معا، غير انه مال – تحت تأثير ضغط الشعب والرهبان – إلى جهة المجمع، فقبل استقالة نسطوريوس وصرف كيرلس والاساقفة إلى كراسيهم.

وفي محاولة لإعادة السلام وقتها، عَمِل الانطاكيون المعتدلون وعلى رأسهم يوحنا على إعادة السلام بين الكنائس وخصوصا بين انطاكية والإسكندرية, فتوصلوا بعد حوالي السنتين إلى مصالحة نهائية على أساس نص اعتراف وضعه لاهوتيون من انطاكية والإسكندرية دُعي بقانون الوحدة، وجاء فيه:"اننا نعترف بأن يسوع الميسح ابن الله الوحيد هو إله تام وإنسان تام من نفس ناطقة وجسد, مولود من الآب بحسب اللاهوت وهو عينه مولود في الازمنة الأخيرة لاجلنا من العذراء مريم بحسب الناسوت.... إذ قام فيه اتحاد الطبيعتين.... وأن القديسة مريم بحسب هذا الاتحاد العادم الاختلاط هي والدة الإله, لأن الإله الكلمة تجسد وتأنس منها ومن بدء الحمل أَتْحَدَ ذاته بالهيكل الذي منها....".


وحديثاً .. تم الاتفاق بين الجانب الخلقيدونى (الغربى) والجانب اللاخلقيدونى (الشرقى) في الحوار الأرثوذكسي في دير الأنبا بيشوي بمصر (يونية 1989) وفي شامبيزى بسويسرا (سبتمبر 1990). فقد قبل كل من الجانبين التعبير اللاهوتى للآخر، معترفًا بأرثوذكسيته. واتفق الجانبان أن كلمة الله هو هو نفسه قد صار إنسانًا كاملًا بالتجسد مساويًا للآب في الجوهر من حيث لاهوته، ومساويًا لنا في الجوهر من حيث ناسوته-بلا خطية. وأن الاتحاد بين الطبائع في المسيح هو اتحاد طبيعي أقنومي حقيقي تام بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا انفصال. وأنه لا يمكن التمييز بين الطبائع إلا في الفكر فقط. وأن العذراء هي "والدة الإله" مع حرم كلًا من تعاليم كل من نسطور وأوطاخى وكذلك النسطورية الخفية التي لثيئودوريت أسقف قورش. لعل هذا الاتفاق يكون هو أساس للوحدة بين الفريقين..

وقد وافق الجانبان على تبادل رفع حروم وإدانات الماضى ضد كل الآباء والمجامع الخاصة بالعائلتين. لكن يواجه هذا القرار بصعوبة فى التنفيذه تنبع من الإدانات والحروم التي أقرها كل من المجمع الرابع والسادس والسابع للخلقيدونيين ضد الآباء القديسين للأرثوذكس الشرقيين أمثال البابا ديسقوروس السكندرى، والبطريرك ساويرس الأنطاكى، والقديس فيلوكسينوس المنبجى والعكس.

نص الاتفاقية الكريستولوجية بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مع الروم الأرثوذكس 1990:

_______أثار الأنفصال على كرازة الكنيسة المصرية

1- انشغلت الكنيسة المصرية بالدفاع عن موقفها من الخلاف العقائدى القائم واهتمت باثبات صحة هذا الموقف على حساب الكرازة والتبشير.

2-كرست الكنيسة المصرية كل مجهودها لحماية الكرسى المرقسى بالأسكندرية من نفوذ المجمع، مما أدى ألى أنعزالها عن محيطها المسيحى وضعفها الى الحد الذى وصلنا له اليوم.

3- أنتهاء التطبيق العملى لعقيدة الكنيسة الواحده، التى تمثل جسد المسيح  وقيادة الروح القدس لها.

4- انشقاق المجمع المقدس المؤسس من قبل الروح القدس على يد التلاميذ (راجع المجمع الاورشليمى الأول فى أعمال الرسل 15) وتعطيل عمله فى الكنيسة!

_______________ رأى شخصى

أرى فيما أرى، ان كل هذا الخلاف ناتج عن تسلط وفساد رجال الدين وتداخل مصالحهم ومواقفهم الشخصية بأرائهم و ليس للعقيدة المسيحية أى دخل بهذا الخلاف من بعيد أو قريب. بدليل أن كل الاطراف فى النهاية تراجعت عن الاخطاء التى أتُهمت بها (تخلـّـتْ الكنيسة المصرية عن الفكر الاوطاخي بل وتخلى نسطور نفسة عن ما نسب اليه من أفكار غير أرثوذكسية فى كتابة بازار هيراقليدس الذي كتبة فى منفاه) 

ويرجع هذا لمعرفتهم بتعاليم الصحيح والطريق المستقيم من الإيمان المستلم والكتاب المقدس نفسه قبل كل شئ. بل وكان كل جانب مكمّلًا للجانب الآخر في تعبيره عن الحقيقة الواحدة؛ فالذين قالوا بالطبيعة الواحدة المتجسدة من طبيعتين أضافوا "بغير امتزاج ولا تغيير" لنفى الأوطاخية والذين قالوا بالطبيعتين أضافوا "بغير انفصال ولا تقسيم" لنفى النسطورية. وقد تكلم الجانبان عن حقيقة واحدة هي أن السيد المسيح كائن واحد إلهى-إنسانى، أي تكلموا عن كينونة واحدة من جوهرين قد اتحدا في المسيح.

ساهم عناد وكبرياء الشخصية المصرية المعروفة بفرعونيتها وتعصبها وغرورها فى أستمرار الخلاف بقوته حتى الآن. يُلاحظ هذا التعصب والتتطرف فى تاريخ كنيستنا بدءا ً من الأنقلاب علي أوريجانوس (185م – 254م) -احد أوائل مؤسسي علم اللاهوت والملقب بالرجل الفولاذى (أدمانتيوس) لقوة حجته- أثناء خلافة مع البابا ديمتريوس الكرام البابا رقم 12.

فكان من الممكن التراجع عن المواقف والاخطاء وطلب السلام بعد فتنة 
خلقودنية. وهو ما لم يحدث ألا فى عهد البابا شنودة الثالث فى اواخر القرن الحادى والعشرين.

وأرى أيضا فيما ارى، أن هذا الخلاف ما هو ألا تمرد من كنيستى القسطنطينية وروما على تسلط اللاهوتيين السكندريين علي رأسة المجامع و أحتكار تشكيل القرارت الصادره عنها، بمعنى انه كان خلاف سياسى بحت على فرض النفوذ والسيطرة تم أضافة له البعد العقائدى لشرعنته ولكن للأسف انتهى الصراع السياسى بزوال الممالك والرئاسات المتصارعة وورثنا نحن –ابناء الطوائف- البعد العقائدى الزائف للصراع!

فالكنيسة المصرية لا تقدم اى تنازل بقبولها فكرة وحدة الكنائس بل هى تكفر عن ذنب قديم اقترفته أو ساهمت على الاقل فى أقترافه ويحتاج منها توبه "عملية ورسمية" و يقع على عاتقها مسؤلية كبيرة لأتمام وحدة المجمع مره اخرى. 

فمن أجل حركة وحدة الكنائس اليوم مطلوب من كل طرف مراجعة مواقفه القديمة وتفهم مواقف ومعتقدات الطرف الاخر بدراسة خاصة ونظره اعمق بدون اى عصبية أو تعصب كما تُعلمنا المسيحية الحق المهتمة بوحدة الكنيسة والتى ينبغي أن تعارض كل من التعصب واللا مبالاة.

ملاحظة أخيرة ولا أدعى صحتها! دخل العرب مصر سنة 641م بعد أنشقاق كنيستها عن المجمع سنة 451م أى بعد 200 سنة تقريبا. وبعد أنشقاق الكنيسة البيزنطيّة عن المجمع سنة 1054م غزا الصليبيون الغربيين القسطنطنية سنة 1204م فى حملتهم الرابعة. ثم الأتراك سنة 1453م فيما يشبة المعجزة، أي بعد 150 سنة من الأنشقاق أستبيحت القسطنطنية من الغرب والشرق وهي المملكة التي بقت صامدة لألف عام من الحضارة.
ومن يؤمن بوجود ضابط للكل لن يرجع هذه الملاحظة للصدف!!

0 comments: