مقدمة فى علوم النقد النصي

7/31/2015 12:10:00 ص 0 Comments

"النقد النصي" هو دراسة المخطوطات القديمة للوثائق محل الفحص بهدف مقارنة محتواها بالنص الحالي ومحاولة إعدة بناء النص الاصلي عن طريق ازالة اي إضافات او تغير تمت بقصد او بغير قصد اثناء عمليات النسخ. حيث كانت تتم عملية النسخ قديما يدويا عن طريق النساخ مما يعرض هذا النسخ للاخطاء البشرية او الاهواء المختلفة.

انواع النقد للنصوص التاريخية:

1- نقد عالي: فحص يتم بغرض تحديد المؤلفين وتأريخ ومكان تأليف النص ويعتمد هذا النوع من الفحص على تحليل الاسلوب الادبي وتراكيب (فقه) اللغة والالفاظ الشائعة لتحديد تاريخ كتابة االنص وتتطابق الثياق العام للنص.

2- نقد سفلي: فحص يتم بغرض تحديد سلامة تسليم النص من جيل الي جيل عبر الزمن بهدف ترميم واعادة بناء النص. ويعتمد هذا النوع  من الفحص علي تحليل شكل (رسم) وهيكل (نوع الخط وطريقة الكتابة) محتوي اقدم النسخ الموجودة للنص واستخراج الاختلافات عن النسخة الحالية للنص وتُسمي هذة الاختلافات قراءات.

ويمكن تطبيق هذة المنهجية على كل النصوص التاريخية، فتعتبر أعمال شكسبير في اللغة الإنجليزية أرض خصبة للنقد النصي لأنها تحوي كمية من التنوعات ولاهتمام النقاد بإنتاج طبعات أفضل. وبالرغم من أن مبادئ النقد النصي وضعت أصلا للأعمال القديمة كنص الكتاب المقدس إلا أنها طبقت على أعمال أخرى تعود للماضي وحتى القرن العشرين.

والمشكلة المراد حلها بتعرف الباحث الالماني بول ماس (1964 – 1980) تُعرَف كالآتي " نحن لا نمتلك مخطوطات للنصوص الاصلية المكتوبة بخط يد اصحابها من اليونانين والرومان ولا حتى نمتلك نسخ مباشرة عن هذة الأصول؛ وجميع المخطوطات التي نمتلكها مأخوذة عن هذة الأصول عبر عدد غير معلوم من النسخ وهذا علي الدوام يجعها موضع فحص وتحقيق منا بغرض انتاج نص اقرب ما يكون للنص الاصلي"
Maas P. 1958. Textual criticism. Oxford. p1


تاريخيا، بدءت علوم ما يُعرف بالنقد النصي مع استغلال الأمريكان لأبحاث الأنجليزيان ويستكوت وهورت واكتشاف مخطوطتان للانجيل قديمتان مجهولتا المصدر. واحدة وجدت في دير سانت كاترين ومعروفة بالمخطوطة السينائية، والاخرى فى الفاتيكان والمعروفة بالمخطوطة الفيتكانية.

ومع أكتشاف هذة المخطوطات عام 1881م بدء ظهور علم النقد النصى وهو علم يقوم على مقارنة محتوى المخطوطات القديمة بعضها ببعض ومقارنتها بالنص الحالى المتعارف علية. وساعد هذا العلم على ظهور النسخ الأمريكية الجديدة من الكتاب المقدس كالنسخة الدولية الجديدة والنسخة الامريكية القياسية و النسخة المنقحة والى اخر هذة المسميات التى ليس لها حصر. فبدل الاعتماد على القراءة الاخيرة للنص أصبح الاعتماد على أقدم قراءة للنص. ومع ظهور كل مخطوطة قديمة تتغير هذة القراءة بحيث يكون الناتج عددا لا يحصى من نسخ الانجيل والتى تكون فى حد ذاتها طعن فى الحقيقة أكثر منها سعياً ورائها.

وعلى أساس هذا العلم يقوم بعض الغير مؤمنين بالمسيحية بالطعن على صحة العهد الجديد للكتاب المقدس بل وعلى الأيمان المسيحى من خلالة! مع ان معظم العلماء القائمين على هذا العلم هم من معتنقى المعتقد المسيحى فى الله ولم يطعن احدهم فى أيمانة المسيحى بسبب نقدة للنص! هذا لان ببساطة الأيمان المسيحى مُستلم من الأباء وليس من النص، بل وهو الحاكم على سلامة وصلاح النص نفسة كما أسلفنا الذكر فى نقطة المعايير المستخدمة لتقنين كتب العهد الجديد.

Daniel Wallace: Did the Ancient Church Muzzle the Canon?



نقد النص النقدى!

سوف نقوم هنا بمراجعة بعض الفرضيات التي تعتبر اليوم من المسلمات بل البديهيات في علوم النقد النصى للانجيل لنكتشف ان هذا العلم يقوم على بعض الفرضيات التي لا أثبات لها! وهى كالاتى:

أولا، فرضية ان نص العهد الجديد قد كتب باليونانية ! وهي فرضية ضعيفة تنافسها اليوم فرضيات اصالة الآرامية و العبرية عن اليونانية و لاسباب سوف نذكرها..

ثانيا، فرضية أن السينائية والفيتكانية هما أقدم المخطوطات الكاملة للأنجيل! وهو ليس بصحيح للأسباب سوف نوضحها:

ثالثا، النص النقدى نفسة يعترف بسلطة أباء الكنيسة وانقيادهم بالروح القدس فى حالة تقنين كتب العهد الجديد ولكنة يينكر هذا فى حالة الجمع والترجمة للأباء (الفولغاتا والبشيطة مثلا) وهو فى حد ذاتة تضاد غير مبرر. راجع رد د. ويليم والاس احد اشهر اساتذة النقد النصي هلى سؤال: هل غيرت الكنيسة القديمة النص لصالحها ؟

ففى العقيدة المسيحية، الايمان او التسليم الرسولى وجد قبل النص كتقليد شفهى. وأن مستوى السلطة فى المسيحية يبدء من المصدر وهو المسيح ثم الي التلاميذ والرسل ومنهم الأيمان والنص مع احتفاظ الأيمان بمستوى اعلى من النص. وعلية لا تتأثر العقيدة أو الأيمان بالنص؛ والذى هو بالاساس مجموعة من شهدات العيان ورسائل تعاليم صالحة موجهه من للتلاميذ والرسل الى المؤمنين.

المصدر:

وعلية، التسليم الرسولى للايمان او التقليد الشفهى للكنيسة يمثل سلطة اعلى من سلطة النص.
المصدر: http://www.scripturecatholic.com/oral_tradition.html

وفى نقد الفرضية اصالة اليونانية على اللغة الآرامية و العبرية نقول..

1- أظهرت كتابات أبائية ان الكثير من كتب العهد الجديد قد كُتبت بالعبرية اولا. وهذا يشمل شهادات قدمها؛ بابياس، إيرينيئوس، يوسابيوسالقيصري، إبيفانيوس، وجيروم و إكليمندس الإسكندى.

المصدر: http://aramaicnttruth.org/downloads/outside/7_History.pdf

2- ذكر المؤرخ اليهودى البارز يوسيفاس كتب أن اللغة العبرية كانت اللغة الاولى ليهود القرن الاول وانهم لم يعرفوا اليونانية قط كلغة تعامل يومي أو لغة تدوين. ونذكر هنا ان كتاب العهد الجديد كانوا من المنتسبين للكنيسة الاولى فى أورشاليم من اليهود متوسطى الحال كبطرس الصياد ومتى العشار ولوقا الطبيب، ولم يكونوا من طبقة المثقفين كبولس مثلا. وعلية، كانوا كما كان معظم اليهود يتكلمون الأرامية فى تعاملاتهم اليومية مع الأمم بالأضافة للعبرية على أقصى تقدير كلغة قومية ودينية.

3-  مخطوطات البحر الميت تظهر وثائق "غير دينية" مكتوبة عن الأحداث المعاصرة لسنة 110 ق.م (أي انها ليس مجرد نسخ من النصوص دينية قديمة) مما يدل ان اللغة العبرية كانت اللغة الحية المستخدم فى الكتابة في ذاك الوقت.

4- سُكت النقود المعدنية اليهودية فى القرن الاول بالنص العبري.
5- تفسر فرضية أصالة الارامية والعبرية (وهي فرضية بديلة لفرضية اصالة اليونانية المُعتقد في صحتها حاليا) انتقال القديس جيروم من روما الى بيت لحم فى الشرق وأسفارة المتعددة لمصر. ويفسر أنكارة لوجود بعض النصوص الأنجيلية فى المخطوطات اليونانية القديمة ومع ذلك قد ضمنها فى الفولغاتا (أنظر مقدماته ومناقشتة مع اللاهوتين وعلماء اللغة حول ترجمتة)

وننقد فرضية أن السينائية و الفيتكانية هما أقدم المخطوطات الكاملة للأنجيل بالآتي..

1-  وجود "اللاتينية القديمة" والمستخدمة فى الكنائس الغربية قبل 350م وأقدم مخطوطات للاتينية القديمة كاملة تُعرف بـ Codex Vercellensis بتاريخ (350م)
وهنا قائمة بجميع مخطوطات للاتينية القديمة : http://iohannes.com/vetuslatina/mssummary.htm

2- وجود ترجمة الفولغاتا للقديس جيروم ويرجع تاريخ الفولغاتا 382م - 405م اي أقدم من مخطوطات السينائية والفتكانية (مؤرخين بعد 350م) - بالأضافة الى ميزة "موثوقية المصدر للفولغاتا"- فبالمقارنة، تصبح السينائية والفتيكانية مجهولتا السبب والنسب والمصدر اي "مخطوطات لقيطة" نسبيا بالمقارنة مع التاريخ الواضح للفولغاتا. وأقدم مخطوطة للفولغتا تُعرف بـ Codex Amiatinus من القرن الثامن (716م)

قائمة بجميع المخطوطات باللغة اللاتينية للعهد الجديد  : 

3-  وجود الترجمة الأشورية؛ وهى ترجمة من الأصل بعيدة عن الترجمات الغربية، والتى فى صفحاتها الأولى أدعاء أنها تمت بعد موت الامبراطور نيرون بمائة عام أى فى 164م و أقدم مخطوطات الترجمة الآشورية تُعرف بـ Khaboris Codex وتعود الى أوائل القرن الرابع، وهى نسخة كاملة للعهد الجديد حسب الكنائس الشرقية (السريانية)

نص الآشورية القديمة : http://www.aramaicpeshitta.com/AramaicNTtools/khabouris.htm

4- الترجمة "البشيطة" او "البسيطة" المستخدمة فى الكنائس الشرقية؛ وهى ترجمة من الأصل. وأقدم مخطوطات البشيطة كامله تُعرف بـ Codex Phillipps 1388  من القرن الخامس

نص البشيطة السريانية بالكامل:  http://madenkha.net/holy_bible/NT/

5- مخطوطات الانجيل القبطية والمعروفة بـ Bodmer Papyri والتى يرجع تاريخ اقدم بردية فيها الى أوائل القرن الرابع وهى مخطوطات تدعم عائلة المخطوطات البيزنطية والمخطوطة الوشنطية.

6- البردية رقم خمسة واربعين (250م) وهى بردية لانجيل مرقص تدعم عائلة المخطوطات البيزنطية والمخطوطة الوشنطية

7-  وجود لإنجيل الرباعي أو دياتسارون (160 – 175 م) وهو أهم جمع توفيقي للأناجيل الاربعة حيث دمج فيه الناسخ واللاهوتي الأشوري تاتيان (120 – 180 م) أناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا في رواية واحدة. فاتبع تاتيان نص الأناجيل بدقة لكنه وضعه في جملة جديدة مختلفة، ومثل غيره من التوفيقات فإن الإنجيل الرباعي يحل العبارات المتناقضة، ويحذف النصوص المكررة خاصة في الأناجيل، ومثال ذلك حذف شجرتي النسب الموجودتين في متى ولوقا. ومن أجل وضع كل روايات الأناجيل القانونية صنع تاتيان ترتيب خاصة يختلف عن ترتيب الأناجيل السنوبتية وترتيب يوحنا.  وحجم إنجيل الدياتسارون 72% من الحجم الكلي للأناجيل الأربعة

كان الإنجيل الرباعي النص المعياري المقبول لدى الكنائس السريانية لمدة قرنين، واستشهد به الكتاب السوريون وأشاروا إليه. فقد كتب أفرام السوري تعليقا عليه أعيد اكتشافه في 1957 عندما حصل "تشستر بيتي" على مخطوطة من دير قبطي هو دير السرياني في وادي النطرون في مصر واكتشف أن المخطوطة تحوي تعليق أفرام ولكنها ناقصة. ومع ظهور مخطوطات أخرى في أوروبا أصبح 80% تقريبا من الأصل السرياني موجودا. واقتباس أفرام للإنجيل الرباعي (رغم أنه لا يقتبسه كله) يقدم لأول مرة شاهدا مستقلا على نص تاتيان الأصلي ويؤكد المحتوى والترتيب.

نسخة الالكترونية للدياتسارون مترجم للغة العربية بقلم ابن الطيب فى القرن الحادي عشر: 

وهناك تساؤلات عدة عن سبب اختفاء هذا الإنجيل المهم والذي كان الإنجيل المعياري لمدة قرنين للسريان! فحدث ان أسقف مدينة حورس في سوريا الكبرى سنة 423 قد شك أن تاتيان كان من الهراطقة فأمر بجمع كل النسخ أي أكثر من مئتي نسخة من الإنجيل الرباعي وتخلص منها وأحل محلها الأناجيل الأربعة المعروفة الان لدينا. كما حلت الأناجيل الأربعة محل نسخة البشيطة التي تأثر نصها السرياني بقراءات الإنجيل الرباعي. ومع الوقت ومن وقت هذا الحدث اكتسب الانجيل الرباعي الدياتسارون لتايتان سمعة أنه إنجيل هرطقة.

واقدم مخطوطة للدياتسارون الـ Codex Fuldensis من القرن السادس

8-  المخطوطة الواشنطية للأنجيل (400م) والتى تدعم عائلة المخطوطات البيزنطية (النص المُستلم)

9- ويدعم هذا الطرح  قائمة المخطوطات التى تدعم العائلة السكندرية (السنائية والفتيكانية أبرزهم)

نص المخطوطة السكندرية: http://www.csntm.org/Manuscripts/ManuscriptViewPage.aspx?id=203


وقائمة المخطوطات التى تدعم العائلة البيزنطية (انجيل الأسكندرنية والواشنطنية والأفرايمية أبرزهم) بالأضافة الى البشيطة و الاتينية القديمة. وهى العائلة المصدر للترجمات بين أيدينا اليوم.
http://en.wikipedia.org/wiki/Byzantine_text-type#Notable_Byzantine_manuscripts

0 comments: